مكتبة ملتقى الأدباء و المبدعين العرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    #46
    النص الفائز بمسابقة
    الراحلة / أمنية نعيم للخاطرة..


    برزخ الأماني ..
    للقديرة / أمل الربيع




    ويعانق وجه القمر الموجوع
    رقائق بلّورية ..
    يشيخ من الوجع الغروب ..
    وتنطفئ الشّمس في مقل دامعات
    من رحم الجراح ،تتناسل الدّمعات
    طعمها أجاج وريحها نتن ..
    وتسائل حورية الأماني ..عن أنين
    قضّ مضجع الحلم ..
    كسر صفاء الصّمت ..فتقول:من ؟؟
    أقول :أنا ...فتقول :من ؟؟
    فأقول :أنا ..أنا
    تردّدها ..تزمجر بها :أنا ..أنا!!؟
    أجل كرهتها ..
    وأجترّ هويّتي وتجرّني الأنا ..
    أنا كلّ اليقين في حضرة العدم
    وعدم بلا يقين ..
    أنا بقايا الأنا ..تكابر ..تنمو ,تحتضر
    وألعن هويّتي وتلعنني وطنيّتي

    مرّ الشّهر على عتبة الأماني ..
    ليس به مطر ولم يكن قمريا
    يصوم القانتون ..يقوم الحيارى
    وتتمنّى العذارى
    تغرّد العنادل لحن ربيع حزين ..
    تلتقط البراعم وتشيخ الأماني
    في قاع الهامور تتزاحم الصّدفات ..
    تنصت للمصلوبين على الشّطآن
    السائرون بلا أقدام ..
    هم الهامسون في أذن الرّجاء
    ويبتلع اليمّ صندوق الأماني
    يحرسه الصّامتون ..

    تعانق الأفق ..ترسمها ريشة خريفية
    تغمض عينيها ...تمنّت أمنية ..
    ......ونامت .



    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq

    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #47
      نُشرت 16/10/2008

      صابرين الصباغ ...إحدى علامات القصة فى الملتقى وفى القص العربى، تمتلك قلباً واعياً وفكراً شاسعاً وقلماً قوياً ولغةً تتجلى فيها العذوبة والبيان.

      كان لقائى مع هذه الخاطرة ،قد أدهشنى واسترعى انتباهى ،فكتبتُ شادياً.
      كم قرأت لها من الأقاصيص ،ما يجعلنى مستقبلاً لا أكف عن الكتابة.
      **************




      أكتبني فيكَ أو أكتبكَ فيّ ..!!
      ________________________________________


      جمعتني وأذبتني داخل دواتي بلحظة شعرتُكَ وتمنيت أن أكتبني فيكَ أو أكتبكَ فيّ ..

      دهشتُ لملامحي التي تكسوك أنتَ ؛ كأني بك لحمي وعظامي وشراييني ودمائي وسمائي ومائي وهوائي .

      صفحات تعتريني .

      صفحات في عيني تجمع فيها لقاءاتنا مرت أمامي كلحن للسماء بليلة قمرية ناعسة على صدر كوننا سكبنا فيها الليل بيننا ليوارينا

      صفحات من روحي مملوءة بحنيني وشوقي إلى وجهك لا قل قلبك لا بل كُلك ..

      صفحات من نبضي تسكن جزيرة نائية بشمال قارة وجداني اكتشفتها وسكنتها وحدكَ ورفعت عليها أعلامك أنتَ ، أنتَ فقط .

      عبأت قلمي بي لأكتب مشاعري لك وبك ومنك فذاب القلم من حرارة حروف اتلهبت من حمم شوقي إليكَ

      وقف قلمي حزيناً يبكي خرسة قال بعينيه :

      اميرتي ذابت أبجديتي فيكما ، استجديته أن يتفوه بكَ نظر خجلانا .

      جمعتُ صفحاتي من أدراج روحي لألملمك منها أصوغها بخيوط سطوري لأصنع منكَ جملة تشهد بك للعالمين فوهن الخيط مني واشتعلت الأوراق وهناً .

      كيف أكتبكَ بي وقد بكت الحروف من ثقل مشاعري وعشقي إليك؟

      كيف وحبري صار كمياه النار يحرق وجه ورقتي فتسيل ملامحها قبل أن ترتديكَ .

      كيف أكتبكَ وقلمي ينوح فكسرت قلمي واستعضت عنه بضلوعي وجعلت من صدري ورقة أكتبكَ فيها ..

      كتبتكَ فوق ملامحي فنظرت لمرآتي ووجدت ............



      ***********************
      (1)
      عشقتُ الأدب الصوفى شعراً ونثراً،مفتوناً بزعمائه الرواد الذين هاموا عشقاً وولهاً،والكلمات لهم سترُ وحجاب،فلغة الصوفية هى لغة القلب والوجدان
      كنتُ أقرأ المواقف والمخاطبات لأبى عبدالله محمد بن عبدالله النفرى(ت354هجرية) هذه الدرة التى هام بها محيى الدين بن عربى والمتصوفة من بعده .
      تأثر بها أودنيس ومحمد عفيفى مطرالذى هام بلغة النفرى وكان حصاده ديوانه النهر يلبس الأقنعة.
      هذا الإعجاب بالنفَرى وأنا فى نضارة الصبا ،دفع بى دفعاً نحو التراث الصوفى ،أشعار عمر بن الفارض سلطان العاشقين ،وإشراقات السهروردى وفتوحات ابن عربى وفصوص حكمه والجنيد والشبلى وبشر الحافى وابن عطاء الله السكندرى والمحاسبى،أسماءُ كثيرة احتلت روحى ووجدانى .
      وحاولت الخوض فى بحر الصوفية المتلاطم أمواجه ،فكان جلال الدين الرومى صاحب المثنوى ،وفريد الدين العطار صاحب منطق الطير ، وحافظ الشبرازى صاحب أغانى شيراز ،وغيرهم الذين أخذوا روحى ووجدانى فى السماوات العلا


      (2)
      اللفظ عند الصوفية معنى ومبنى ،نور ونار ،ظاهر وباطن.
      الكلمة لديهم سفائن تمخر عباب المحيطات الروحية .
      وعندما قرأتُ للمرة الأولى هذا النص(
      أكتبني فيكَ أو أكتبكَ فيّ ..!! ) اجتاحنى ما يجتاح السكون من ريح عاصف،فلم أقترب منه بالحديث عنه ،بل عاودت القراءة مرةً بعد مرة.
      كان العنوان يشى ّ بالغموض وبلغة ثرية .



      (3)
      وقرأتُ النصَ (
      جمعتني وأذبتني داخل دواتي بلحظة شعرتُكَ وتمنيت أن أكتبني فيكَ أو أكتبكَ فيّ ..)
      ثم(
      دهشتُ لملامحي التي تكسوك أنتَ ؛ كأني بك لحمي وعظامي وشراييني ودمائي وسمائي ومائي وهوائي )
      الدهشة عقدت لسانى لملامح المحب التى تكسو الحبيب، أهى الروح للروح تقترنُ؟
      وكأنى بالحبيب هو المحب، لحماً وعظاماَ ودماً ، بل يصبح الحبيب السماء والأرض والهواء والماء.
      وكأنى بالمبدعة تقول لحبيبها أنت مرآة روحى أنظر فيها أجدك.


      (4)

      "
      صفحات في عيني تجمع فيها لقاءاتنا مرت أمامي كلحن للسماء بليلة قمرية ناعسة على صدر كوننا سكبنا فيها الليل بيننا ليوارينا "
      صورة من أروع وأعمق الصور هذا اللحن السماوى بليلة قمرية ناعسة على صدر كون كان الليل فيه الستروالغطاء ،حتى يجتمع الحبيبان.

      هذه اللغة المشرقة وما تومض بهامن أحاسيس فياضة تهصر القلب و وتتجلى فيها .


      (5)

      ""
      صفحات من روحي مملوءة بحنيني وشوقي إلى وجهك لا قل قلبك لا بل كُلك ..

      صفحات من نبضي تسكن جزيرة نائية بشمال قارة وجداني اكتشفتها وسكنتها وحدكَ ورفعت عليها أعلامك أنتَ ، أنتَ فقط
      .""

      الله ما أروع هذا العشق وهذا التوحد وهذا التوله.
      أنت كُلّى...........
      هذا الذوبان لحبيب إحتل الروح والجسد والقلب والوجدان ،فماذا بعد_ ياترى_ يحتل الحبيب؟؟


      (6)

      "
      عبأت قلمي بي لأكتب مشاعري لك وبك ومنك فذاب القلم من حرارة حروف اتلهبت من حمم شوقي إليكَ

      وقف قلمي حزيناً يبكي خرسة قال بعينيه :

      اميرتي ذابت أبجديتي فيكما ، استجديته أن يتفوه بكَ نظر خجلانا ."

      ماهذا القلم؟ هذا الذى ذاب من حرارة الحروف؟
      وذابت فيه الأبجدية !!
      إنها صورة العشق الذى يمتلك حنايا الروح .

      (7)

      "
      جمعتُ صفحاتي من أدراج روحي لألملمك منها أصوغها بخيوط سطوري لأصنع منكَ جملة تشهد بك للعالمين فوهن الخيط مني واشتعلت الأوراق وهناً .

      كيف أكتبكَ بي وقد بكت الحروف من ثقل مشاعري وعشقي إليك؟

      كيف وحبري صار كمياه النار يحرق وجه ورقتي فتسيل ملامحها قبل أن ترتديكَ .

      كيف أكتبكَ وقلمي ينوح فكسرت قلمي واستعضت عنه بضلوعي وجعلت من صدري ورقة أكتبكَ فيها ..

      كتبتكَ فوق ملامحي فنظرت لمرآتي ووجدت ..........."

      أقف أمام هذا الشموخ اللغوى البيانى متمهلاً،وهذا اللهاث المتصاعد بالروح.
      طوفان الأسئلة يجتاح المحب العاشق ويخلعه من جذوره حتى ليحيله إلى وهج من نور فياض.
      طوفان اللهفة التى تمور بالروح .

      كيف ..وكيف ..وكيف؟
      صار الصدر معبداً للحبيب.
      وصارت دماءُ القلب مداداً لعشق متأجج.

      إن المبدعة تأخذنا عبر مسارب الروح لتلقى بنا على شواطىء الأبدية.
      إنها هائمة فى حب جبار لاتقهقر فيه ولا تراجع.
      إنها فيضُ من فيضِ ، من نبع الروح تروينا وإلى سماء العشق تأخذنا وإلى سدرة المنتهى منتهانا.

      إنها تبحث عن "
      جملة تشهد بك للعالمين "

      يالك من مبدعة قديرة !
      ويالى من كاتب فقير يحوم حول قصورك الشامخة وأسوارك الشاهقة!!

      تعليق

      • المختار محمد الدرعي
        مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
        • 15-04-2011
        • 4257

        #48
        نجدد شكرنا و تقديرنا الدائم لكل أساتذتنا الكرام اللذين زودوا المكتبة بأروع ما لديهم من نصوص
        شكرا لأستاذنا الجليل عبد الرؤوف النويهي الذي كان الأكثر نشاطا بالمكتبة
        [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
        الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



        تعليق

        • المختار محمد الدرعي
          مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
          • 15-04-2011
          • 4257

          #49
          طلاسم كيلوبترا
          للأديبة المبدعة منار يوسف

          العالم يفور
          في رأسي
          و أناملي حُبلى بالجمر
          تتمدد حروفي
          كمركبة ورقية
          على سطح ساخن
          يشهد
          انكسار البراعم
          على صخرة الدم

          مازالت المحيطات أسفل ذاكرتي
          تطعمني لـ حيتانها
          و مازلت أنا
          أنحت طلاسم " كليوباترا "
          على معابد الورد
          و في دمي زعافها

          لا شىء .. هذا المساء
          إلا أنا .. و أنت
          و رائحة البارود
          لا شىء يجمعنا
          إلا .. زحام الأسئلة
          و غربة الأفكار

          لم تخبرني جدتي
          أن " الغولة " تُبعث
          كلما نصبوا المشانق
          للحروف
          كلما تحولت الموائد
          إلى منصة للعقاب
          لم تعلمني
          كيف أخنق قصائدي
          عند كل صلاة

          حافية أسير
          إلى آخر ... الاشتعال
          يرافقني التمرد
          و
          غريبة .. انصهر
          تحت جدار ساخر

          [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
          الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



          تعليق

          • منيره الفهري
            مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
            • 21-12-2010
            • 9870

            #50


            In my mom’s house

            By Mahmoud Darweesh

            Translated by Walid Akermi





            In my mom’s house my picture's watching me

            :And doesn’t stop asking

            ?Are you, my guest, me

            Had you been twenty years of my age

            ,With no eyeglasses

            ?Neither suitcases

            A hole in the palisade was enough

            For the stars to teach you the hobby of starring

            ...At the Eternal

            (What’s Eternal? I said to myself)

            ?O my guest… Are you me as we both had been

            ?Who disowned his features

            Do you still remember the stubborn horse hoof on your forehead

            Or did you wipe the wound with make up to be

            ?A good-looking in the camera

            Are you me? Do you remember your heart pierced

            ?With the old flute and the Phoenix feather

            ?Or you switched your heart as you did with your path

            I said: Hey there, I am you

            But I jumped over the wall to see

            What would happen if the unseen saw me picking

            ...From his hanging gardens violet with respect

            :It might greet me and say

            ...Go back safely

            And I jumped over this wall to see

            The invisible

            And to measure the depth of the abyss


            *************


            في بيت أمي


            محمود درويش - فلسطين





            في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ
            ولا تكفُّ عن السؤالِ:
            أأنت، يا ضيفي، أنا؟
            هل كنتَ في العشرين من عُمري،
            بلا نظَّارةٍ طبيةٍ،
            وبلا حقائب؟
            كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي
            كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق
            في الأبديِّ...
            (ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي)
            ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟
            فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟
            أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ
            أم مسحت الجُرحَ بالمكياج كي تبدو
            وسيمَ الشكل في الكاميرا؟
            أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَ المثقوبَ
            بالناي القديم وريشة العنقاء؟
            أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَ دَربَكَ؟
            قلت: يا هذا، أنا هو أنت
            لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى
            ماذا سيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ
            من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترامً...
            ربّما ألقى السلام، وقال لي:
            عُدْ سالماً...
            وقفزت عن هذا الجدار لكي أرى
            ما لا يُرى
            وأقيسَ عُمْقَ الهاويةْ

            تعليق

            • منيره الفهري
              مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
              • 21-12-2010
              • 9870

              #51

              إليك ... أيتها الساكنة جوف فؤادي.
              المصطفى العمري
              ( بمناسبة عيد المرأة العالمي)

              في كل ليلة تحمل جياد الحنين ذاكرتي من وسادتي إلى دنياكِ ،،،
              تتراقص في سماء الذكرى عصافير تيهي فيكِ ،،،
              تكتبني ... قصيدة وجع
              أبحث عني وعنكِ فيكِ ،،،
              أبحث عنا في مدن الذكرى المدججة بحديث الصنوبر ،،،
              في يوم الميلاد الأول.
              كما النمل يتناسل صداكِ في جوف قلبي
              يشردني في أزقة المجهول ،،، يمرغني في وحل الذكرى ،،،
              يغزلني أسلاك حزن تسيج أحلامي بوهم اللقاء والبسمة القادمة
              من ضفة الليل الأخرى ،،، وفرحة العمر التي تأتي عارية فوق
              جناح الضباب.
              لو كنتِ طوعا لي ...
              لَجِئْتِنِي على جناح الأمل تتراقصين فرحا بلقائي
              لكنكِ ترفضين شيبي ... فلولاكِ ما أشيب
              لو كنت أدري ....
              لغسلت المطر ونظمت حباته عقدا في عنق تاريخي الذي فات ...
              والذي سيأتي ...
              لو أدركني الليل ...
              لصففت أصابع الوجد فوق جبين القمر
              وأعدت للماء نشيد العطش الدائم في حنجرة شوقي إليكِ
              يا .... سيدة الجذور ... والأغصان ... يا أنتِ
              تناثرت على طرقات الصمت أوراقي.
              ما كانت جدران قلبي رملا وما عن سماء الحلم غاب القمر
              ولكن كان في رأسي ينبت الريحُ.
              يا سيدتي ... بعيدا عنكِ تتناسل في جمجمتي أزمنة الضباب
              ويثقل الوجع أغصان نخلي ... ويسقط من رأسي بلح اليقين
              يفترسه نمل الضياع الأحمر.
              يا سيدتي ما أشفى الدمع غليلا ولا اقتلع من جذوره الحُزْنَ
              يا سيدتي يمضغ الحزن أيامنا علكا ... ويبتلع دموعنا ولا يغرق.
              ياسيدتي عودي من قصر غربتكِ ...
              لا يحلو عن أوطان العشق التغرب.
              يا سيدتي ... تحملني الذكرى إلى جدع دالية العشق
              أحملها في صدري أغصانا وعروقا
              ياسيدتي تأكل غربان البعد عناقيد رأسي ...
              ويشرق في خريف عمري الليل.
              ياسيدتي قوافل نوركِ تسافر بي ... إلى الحلم العريض
              تضمني المسافات ... إلى ذكرى اللقاء
              أنا وعيكِ ...
              وأنتِ في فؤادي أجمل الأحلام.
              سأخلو إلى نفسي يا سيدتي ،،،
              أعتكف على رسم عذابي بكِ لوحات ،،،
              أزركشها بخوفي علي من قلبي العنيد ،،،
              والشوق المتأجج في صدر حنيني إليكِ ،،،
              أمتطي صهوة جنوني لعلني أصل إليكِ
              لتقطفي الدمع من عيني و الحزن من بين ضلوعي ،،،
              تتمدد الدقائق يا مولاتي بعيدا عنكِ ،،،
              صارت خريطة بلا حدود أمشيها يمينا ويسارا وفي كل الإتجاهات.
              إليكِ تعرج الأحاسيس ،،، وفصول وجداني.


              متى فيكِ يا مولاتي أجد ،،، ما إليه تصبو منذ الأزل روحي ؟؟؟؟
              نسيم حنان يطارد قلبي ينتشلني من خوفي العريض ،،،
              ضحكة طفل تروي عطشي الأبدي ،،، إليكِ ؟؟؟
              متى يا مولاتي تداعب خيوط شمسكِ حنيني إليكِ ؟؟؟؟
              لا تتركيني أهوي حطاما بين قدميكِ.
              هذه أسوار أنيني يامولاتي فدعيني ألقاكِ خلفها ،،،
              بذراعين مفتوحتين لأحتضاني ،،،
              قطعة قطعة تعيد بنائي ،،،
              وتشكيلي سأظل حولك أدور كما الأرض جنونا بالشمس تفعل
              وتظلين
              فا... طمــــتي... الأزلية....
              سأشعل أشواقي ...إليكِ
              في مدفأة صدري ... حتى إذا صارت رمادا
              أهديها لرياح الخريف لِيُغْـرِقَ ما تبقى مني لكِ فيكِ ...
              فلا تحاولي إنقاذي
              ففي أعماقكِ يكتمل تكويني ...
              يا مولاتي ... يا... يا أنتِ
              .

              المصطفى العمري
              المملكة المغربية

              تعليق

              • المختار محمد الدرعي
                مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                • 15-04-2011
                • 4257

                #52
                رواية ذاكرة الجسد / أحلام مستغانمي
                http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...E1%CF%D1%DA%ED
                [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                تعليق

                • المصطفى العمري
                  أديب وكاتب
                  • 24-09-2010
                  • 600

                  #53
                  المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة

                  إليك ... أيتها الساكنة جوف فؤادي.
                  المصطفى العمري
                  ( بمناسبة عيد المرأة العالمي)

                  في كل ليلة تحمل جياد الحنين ذاكرتي من وسادتي إلى دنياكِ ،،،
                  تتراقص في سماء الذكرى عصافير تيهي فيكِ ،،،
                  تكتبني ... قصيدة وجع
                  أبحث عني وعنكِ فيكِ ،،،
                  أبحث عنا في مدن الذكرى المدججة بحديث الصنوبر ،،،
                  في يوم الميلاد الأول.
                  كما النمل يتناسل صداكِ في جوف قلبي
                  يشردني في أزقة المجهول ،،، يمرغني في وحل الذكرى ،،،
                  يغزلني أسلاك حزن تسيج أحلامي بوهم اللقاء والبسمة القادمة
                  من ضفة الليل الأخرى ،،، وفرحة العمر التي تأتي عارية فوق
                  جناح الضباب.
                  لو كنتِ طوعا لي ...
                  لَجِئْتِنِي على جناح الأمل تتراقصين فرحا بلقائي
                  لكنكِ ترفضين شيبي ... فلولاكِ ما أشيب
                  لو كنت أدري ....
                  لغسلت المطر ونظمت حباته عقدا في عنق تاريخي الذي فات ...
                  والذي سيأتي ...
                  لو أدركني الليل ...
                  لصففت أصابع الوجد فوق جبين القمر
                  وأعدت للماء نشيد العطش الدائم في حنجرة شوقي إليكِ
                  يا .... سيدة الجذور ... والأغصان ... يا أنتِ
                  تناثرت على طرقات الصمت أوراقي.
                  ما كانت جدران قلبي رملا وما عن سماء الحلم غاب القمر
                  ولكن كان في رأسي ينبت الريحُ.
                  يا سيدتي ... بعيدا عنكِ تتناسل في جمجمتي أزمنة الضباب
                  ويثقل الوجع أغصان نخلي ... ويسقط من رأسي بلح اليقين
                  يفترسه نمل الضياع الأحمر.
                  يا سيدتي ما أشفى الدمع غليلا ولا اقتلع من جذوره الحُزْنَ
                  يا سيدتي يمضغ الحزن أيامنا علكا ... ويبتلع دموعنا ولا يغرق.
                  ياسيدتي عودي من قصر غربتكِ ...
                  لا يحلو عن أوطان العشق التغرب.
                  يا سيدتي ... تحملني الذكرى إلى جدع دالية العشق
                  أحملها في صدري أغصانا وعروقا
                  ياسيدتي تأكل غربان البعد عناقيد رأسي ...
                  ويشرق في خريف عمري الليل.
                  ياسيدتي قوافل نوركِ تسافر بي ... إلى الحلم العريض
                  تضمني المسافات ... إلى ذكرى اللقاء
                  أنا وعيكِ ...
                  وأنتِ في فؤادي أجمل الأحلام.
                  سأخلو إلى نفسي يا سيدتي ،،،
                  أعتكف على رسم عذابي بكِ لوحات ،،،
                  أزركشها بخوفي علي من قلبي العنيد ،،،
                  والشوق المتأجج في صدر حنيني إليكِ ،،،
                  أمتطي صهوة جنوني لعلني أصل إليكِ
                  لتقطفي الدمع من عيني و الحزن من بين ضلوعي ،،،
                  تتمدد الدقائق يا مولاتي بعيدا عنكِ ،،،
                  صارت خريطة بلا حدود أمشيها يمينا ويسارا وفي كل الإتجاهات.
                  إليكِ تعرج الأحاسيس ،،، وفصول وجداني.


                  متى فيكِ يا مولاتي أجد ،،، ما إليه تصبو منذ الأزل روحي ؟؟؟؟
                  نسيم حنان يطارد قلبي ينتشلني من خوفي العريض ،،،
                  ضحكة طفل تروي عطشي الأبدي ،،، إليكِ ؟؟؟
                  متى يا مولاتي تداعب خيوط شمسكِ حنيني إليكِ ؟؟؟؟
                  لا تتركيني أهوي حطاما بين قدميكِ.
                  هذه أسوار أنيني يامولاتي فدعيني ألقاكِ خلفها ،،،
                  بذراعين مفتوحتين لأحتضاني ،،،
                  قطعة قطعة تعيد بنائي ،،،
                  وتشكيلي سأظل حولك أدور كما الأرض جنونا بالشمس تفعل
                  وتظلين
                  فا... طمــــتي... الأزلية....
                  سأشعل أشواقي ...إليكِ
                  في مدفأة صدري ... حتى إذا صارت رمادا
                  أهديها لرياح الخريف لِيُغْـرِقَ ما تبقى مني لكِ فيكِ ...
                  فلا تحاولي إنقاذي
                  ففي أعماقكِ يكتمل تكويني ...
                  يا مولاتي ... يا... يا أنتِ
                  .

                  المصطفى العمري
                  المملكة المغربية
                  الأستاذة المبدعة منيرة الفهري.
                  تقديري العميق لمجهوداتك الجبارة .لست أدري كيف أشكرك . تعجز كلماتي عن التعبير ... فدعيني أقدم لك باقة زعفران وياسمين .
                  شكرا.
                  ارحل بنفسك من أرض تضام بها.....ولاتكن من فراق الأهل في حرق
                  من ذل بـين أهالـيه ببلدتـه..... فالإغتراب له من أحسن الخلق.

                  عن الإمام الشافعي

                  تعليق

                  • منيره الفهري
                    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                    • 21-12-2010
                    • 9870

                    #54
                    أبو الهول

                    قصّة قصيرة لإدغار آلاّن بو

                    ترجمة وليد العكرمي



                    في فترة انتشار الكوليرا المرعبة في نيويورك، قبِلتُ دعوة أحد الأصدقاء لقضاء أسبوعين في منزله الريفي على ضفاف نهر هودسون. يوجد هنا كلّ وسائل الترفيه صيفًا؛ نقضي الوقت في المشي في الغابات والرّسم والتجديف وصيد الأسماك أو في السباحة وعزف الموسيقى ومطالعة الكتبِ. كنّا لنقضيَ وقتاً ممتعاً لولاَ الأخبار المرعبة التي كانت تصلنا كلّ صباح من المدينة التي تعجّ بالسّكّان. لم يكنْ يمضي يومٌ دون أنْ يأتيَنا خبر وفاة أحد الذين نعرفهم، وعندما استفحل الأمرُ أصبحنا نترقّبُ يوميًّا فقدان أحد الأصدقاء حتّى أصبحنا نرتبك عندما يقتربُ أحدهم. كانت تفوحُ من الهواء القادمِ من الجنوب رائحة الموت. هذه الفكرة المحبِطة ملكت كلّ عقلي. لمْ أكُن أستطيعُ الكلامَ أو التفكيرَ أو أنْ أحلُمَ بأيِّ شيءٍ آخـَرَ. كان مزاجُ مضيّفي أقلَّ حدّةً، ورغم أن نفسيته كانت كئيبة جدًّا لكنَّه كان يتحامل على نفسه للرّفعِ من معنويّاتي. لم يتأثّرْ فكرُه الفلسفي العميقُ بالمسائلِ غير الواقعيّة.
                    كانت جهودُه لإخراجي من حالة الحزن غير العاديّة التي كُنتُ أعيشُها محبطة في جزءٍ كبيرٍ منها بسبب بعض الكتب التي وجدتُها في مكتبته. كانت لهذه الكتب خاصّية أنّها تنمّي بالقوّة بذور التفكير الخرافي الموروث الكامنة في أعماق نفسي. قرأتُ تلك الكتبَ دون أن يعلمَ، ولم يكنْ يفهمُ غالباً تلك الهواجس القويّة التي نشأت في مخيّلتي.
                    كان موضوعه المفضّلُ معي إيمان العامّة بالطِالع ـ وقد كنتُ في تلك الفترة من حياتي مستعدّاً للدّفاع عن ذلك الإيمان. ففيما يخصّ هذا الموضوع٬ كنّا نخوض في نقاشات طويلة مثيرة. كان يدافع عن غياب أيّ أساس عقديٍّ لمثل هذه المواضيع وكُنتُ أرى أنَّ الشعور العامّي المقدّم بعفوية مطلقة أو لِنقُلْ بلا آثار ظاهرة فيها للشّكّ كانت له عناصر يقينية للحقيقة وكانت تستحقّ قدراً من الاحترام مادام هذا الحَدْسُ يُعتبرُ خصوصيّة الإنسان العبقري المتميِّز.
                    في الحقيقة، حصلَ معي أنا شخصيّا مباشرة بعد وصولي إلى المنزل الريفي أمرٌ لا يمكنُ تفسيرُهُ وكان يبدو ذا طابع إعجازيٍّ وقد أكونُ محقّاً إذا اعتبرتُه طالعاً. لقد صدمني ذلك وفي نفسِ الوقتِ أربكني وأذهلني. ومضتْ عدّةُ أيّامٍ قبل أنْ أستطيعَ بلورة أفكاري لأخبرَ صديقي بتلكَ الأحداثِ. مع نهاية يومٍ حارٍّ جدًّا، كنتُ جالساً أقرأ كتاباً قربَ نافذةٍ مفتوحةٍ تُطِلُّ على ضفافِ النّهرِ، مشهدٍ لهضبةٍ بعيدةٍ. وقد كان الجانب الأقربَ إليَّ عاريًا بفعل ما يمكنُ أنْ يكونَ انزلاقًا أرضيًّا (للقسم الأكبر من الأشجار). كانت أفكاري تتردّدُ بين ذلك المشهد أمامي وبين الحزنِ والخرابِ الذي حلّ بالمدينة المجاورة. عندما رفعتُ عينيَّ عن الكتابِ وقعتا على الجانب العاري للهضبة ورأيتُ وحشًا ذا شكلٍ بشِعٍ وسرعان ما وجد طريقَه من قمّة التلّة إلى أسفلَ واختفى أخيرًا بين الأشجار الكثيفة. عندما لمحتُ هذا الكائنَ شكَكْتُ في سلامة عقلي أو على الأقلّ في صحّة بصري. مضتْ عدّة دقائقَ قبل أنْ أقنعَ نفسي بأنّني لستُ مجنونًا أو أنني لم أكن أحلم. عندما وصفتُ له الوحش (الذي كنتُ قد رأيْتُه بوضوحٍ وراقبتُه بهدوء طيلة فترة تحوّله)،أنا أخشى أنّ قرّائي سيشعرون بأنه سيكون أصعب عليهم منّي أنا شخصيّا الاقتناع بهذه الأشياء. قدّرتُ حجمِ هذا الكائن مقارنةً بقُطْر الأشجارِ الكبيرة التي مرّ بجوارها ـ وهي العماليق التي نجتْ من هولِ الانزلاق الأرضي ـ فأدركْتُ أنّه كانَ أكبرَ من سفينة خطّية. أقول سفينة خطية لأنّ شكلَ الوحشِ يستدعي فكرة - هيكل سفينة من نوعِ الأربعة وسبعين مدفعًا يمكن أنْ يعطيَ فكرة معقولة عن مظهره العامّ. كان فمُ الحيوان يقعُ على طرفِ خرطومٍ بطولِ ستّينَ أو سبعينَ قدما طولاً وبِسُمْكِ جسمِ فيلٍ عاديٍّ تقريبًا. بالقرب من جذور هذا الجذع توجد كمّية كبيرة من الشعر الأسودِ المجعّدِ، أكثرَ ممّا يمكنُ أنْ تُوفّرهُ مجموعة من عشرين فرداً من الجواميس البرّية. ويظهرُ في وبره نحو الأسفل وفي جانبيْه نَابَانِ لامعانِ ليسا مثل أنيابِ الخنزير لكن أكبر من ذلك بكثير، ويوجدُ في كلا الجانبَيْنِ قضيبٌ كبيرٌ مُمتدُّ إلى الأمام مُوازٍ للخرطومِ بطُولِ ثلاثين أو أربعينَ قدماً، متكوّنٌ فيما يبدو من الكريستال الخالص وله شكلُ موشور مثالي ـ يعكسُ بطريقة مذهلة أشعّة الشّمسِ المائلة. كان الجذعُ يشبه الرّكن مع قمّة التلّة. ومن هذه النقطة يمتدُّ جناحان ـ كلٌّ منهما بطول مائة متر تقريباً ـ وقد وُضع اثنان فوق بعضهما وكانا مغطّييْن بطبقة سميكة من الحراشف المعدنية؛ كلّ واحدة منها بقُطر عشرة أو إثني عشر قدماً تقريباً. وقد لاحظتُ أنّ الأطراف العليا والسُّفلى للأجنحة كانت مرتبطة بسلسلة صلبة. لكنّ الشيء الغريبَ في هذا الأمرَ كان رأسَ الموت الذي يغطّي كلّ جسم هذا الحيوان وقد كان مرسوما بدقّة كبيرة باللّون الأبيض اللاّمع على مساحة الجسم الداكنة كما لو كانت من رسم فنّان بارعٍ. عندما نظرتُ لهذا الحيوان المرعبِ، وخاصّةً شكل صدره، انتابني إحساس مفزعٌ مخيفٌ - وشعرتُ بأنّ هناك شرّا قريبًا لن أستطيع النجاة منه بأيّ مجهود عقلي. استطعتُ تمييز فكين هائليْن في طرف الخرطوم وقد امتدّا فجأة وانطلق من خلاله صوت قويّ يحمل كلّ معاني الشر، وقد كان أثرُه في نفسي مثل ناقوس الموت وما إنْ اختفى الوحش في أسفل التّلّة حتّى سقطت على الأرض مغشيّا عليَّ. كان أوّل شيءٍ أردتُ فعلَه بعد أن أفقتُ من غيبوبتي أنْ أخبر صديقي بما رأيتُ وسَمعتُ ولم يكنْ سهلاً أنْ أشرحَ شعور الاشمئزاز الذي اعتراني في النهاية.
                    أخيراً ذات مساء بعد ثلاثة أو أربعة أيّام ممّا حدث كنّا نجلسُ مع بعضنا في نفس الغرفة التي شاهدتُ فيها ظهور ذلك الكائنِ. كنتُ أجلسُ على نفسِ المقعدِ قرب النافذة نفسِها، وكان هو ممدّدًا على أريكة على بعد ذراع منّي. شجعّني وجودُنا في نفسِ المكان وفي نفسِ الوقت على أنْ أخبره بما حدثَ. أصغى إليَّ للنّهاية - وكان يضحكُ في البداية من كلِّ قلبِهِ - ثمّ ظهر على سلوكه شيءٌ من الجِدِّ كما لو كان جنُوني أمراً لا ريبَ فيه. وفي نفسِ اللّحظة رأيتُ مرّة أخرى بصورةٍ واضحةٍ الوحشَ. عندئذ جلبتُ انتباهَهُ بصرخةٍ يغلب عليها الرّعب. نظر بتمعُّنٍ وبدا عليه كأنّه لم يرَ شيئًا رغم أنّني كنتُ قد أشرتُ له بدقّة الطّريقَ الذي سَلَكَهُ الوحشُ نزولاً من أعلى الجانبِ العاري للتّلّة.
                    أنا الآن منتبِهٌ إلى أبعدِ الحُدُودِ حتّى أنّي أصبحتُ أرى فيما شاهدتُ طالعًا ينذر بموتي بل هو أشدُّ هَوْلاً مثلَ نذيرٍ بالجنون. ألقيتُ بجسدي فوق الكرسي وغطّيتُ وجهي بيديَّ لبعض الوقتِ. عندما كشفتُ عن وجهي كان المنظر قد اختفى. عندئذ عاد الهدوء لمُضيِّفي وسألني بلهجةٍ صارمة عن شكلِ ذلك الكائنِ الذي رأيتُه. عندما أعلمتُه بحقيقة ذلك الرّأسِ تنهَّدَ بعمقٍ كأنّه تخلّص مِنْ عبءٍ ثقيلٍ وبدأ يتحدّثُ بما ظننتُه هدوءًا قاسيا، عن بعضِ موضوعات الفلسفة الريبيّة ممّا خلق إلى حدّ الآن موضوعًا للنّقاش. أذكرُ إصرارَه خاصّة (من بين أشياءَ أخرى) على فكرة أنَّ مصدر الخطإ الرئيسي في كلّ البحوث الإنسانيّة يكمنُ في أهميّة الفهم المُبَالَغِ فيه أو المُقصِّرِ عن إدراكِ حقيقة الأشياء من خلال خطإ بسيط في تقدير المسافة التي تفصلنا عنه. ثم قال: "لكي يكونَ تقديرُنا صحيحًا لا يجبُ أنْ يفشلَ التأثير المفروض على الإنسانيّة كلِّها عن طريقِ نشرِ الديمقراطيّة ومدّة الفترة التي يستغرقها نشرُها في تكوين موضوعٍ عن تطوّرها. رغم ذلك هل يمكنُ أنْ تسمّيَ لي كاتبًا حول موضوع السّلطة يفكّرُ بهذا الفرع الاستثنائي لموضوعٍ يستحقُّ النّقاش على الأقلّ؟ " سكت قليلاً ثمّ خطا بعض خطواتٍ نحو المكتبة وأخرج بعض المختصرات للتّاريخ الطبيعي، وطلب منّي أنْ نتبادلَ المقاعدَ لكيْ يستطيعَ قراءة الخطّ الرقيق للكتاب. أخذ أريكتي قرب النّافذة وفتحَ الكتابَ وعادَ يتكلّم بنفس النّبرة الأولى:"لكن نظرًا لدقَّتِك المبالَغ فيها في وصف الوحشِ قد لا أستطيعُ أنْ أبيِّن لكَ ما هو. في البداية دَعْنِي أقرأْ لكَ ما كتَبَه أحدُ التلاميذِ في موضوع أبي الهول، من فصيلة الكروبوسكولاريا ومن رتبة قشريّات الأجنحة ومن طائفة الحشرات. التقرير يقول ما يلي:"أربعة أجنحة غشائية مغطّاة بقشور صغيرة معدنيّة ملوّنة. فمٌ متكوّنٌ من خرطومٍ ملفوفٍ يمتدُّ من الفكّيْنِ، وعلى الأطرافِ يوجَدُ فكّانِ عُلويّانِ ومجسّاتٌ سفليّةٌ؛ الأجنحةُ السُّفلى ترتبطُ بالأجنحة العُليا عن طريق شعراتٍ قاسية، ومِجسّ بشكل نفلٍ ممتدٍّ برّاقٍ وصدرٍ حادٍّ؛ أبو الهول برأس الموت يثيرُ الرّعبَ بين الجهلاء أحيانا من خلال صيحة الحزن التي يطلقها وعلامات الموت التي يحملُها جسمُهُ". هنا أغلق الكتابَ ومالَ على الكُرسيّ متَّخذًا نفس هيئتي في الجلوس عندما كُنتُ أراقبُ الوحش
                    ثمَّ قال متعجّباً:"انظُرْ إنّه ينزل من أعلى الهضبة، إنّه مخلوقٌ رائع كما يبدو لي، لكنْ ليس ضخماً أو بعيداً كما كُنتَ تظنُّ، في الحقيقة إنّه عندما كان ينزلُ باتجاه هذا الخيط الذي نسجه عنكبوتٌ على طولِ النّافذة أرى أنّه يبدو بطول 16/1 البوصة وعلى مسافة 16/1 البوصة من بؤبؤ العين.



                    The Sphinx


                    DURING the dread reign of the Cholera in New York, I had accepted the invitation of a relative to spend a fortnight with him in the retirement of his cottage ornee on the banks of the Hudson. We had here around us all the ordinary means of summer amusement; and what with rambling in the woods, sketching, boating, fishing, bathing, music, and books, we should have passed the time pleasantly enough, but for the fearful intelligence which reached us every morning from the populous city. Not a day elapsed which did not bring us news of the decease of some acquaintance. Then as the fatality increased, we learned to expect daily the loss of some friend. At length we trembled at the approach of every messenger. The very air from the South seemed to us redolent with death. That palsying thought, indeed, took entire possession of my soul. I could neither speak, think, nor dream of any thing else. My host was of a less excitable temperament, and, although greatly depressed in spirits, exerted himself to sustain my own. His richly philosophical intellect was not at any time affected by unrealities. To the substances of terror he was sufficiently alive, but of its shadows he had no apprehension.

                    His endeavors to arouse me from the condition of abnormal gloom into which I had fAllan, were frustrated, in great measure, by certain volumes which I had found in his library. These were of a character to force into germination whatever seeds of hereditary superstition lay latent in my bosom. I had been reading these books without his knowledge, and thus he was often at a loss to account for the forcible impressions which had been made upon my fancy.
                    A favorite topic with me was the popular belief in omens-a belief which, at this one epoch of my life, I was almost seriously disposed to defend. On this subject we had long and animated discussions-he maintaining the utter groundlessness of faith in such matters,-I contending that a popular sentiment arising with absolute spontaneity- that is to say, without apparent traces of suggestion-had in itself the unmistakable elements of truth, and was entitled to as much respect as that intuition which is the idiosyncrasy of the individual man of genius.
                    The fact is, that soon after my arrival at the cottage there had occurred to myself an incident so entirely inexplicable, and which had in it so much of the portentous character, that I might well have been excused for regarding it as an omen. It appalled, and at the same time so confounded and bewildered me, that many days elapsed before I could make up my mind to communicate the circumstances to my friend.
                    Near the close of exceedingly warm day, I was sitting, book in hand, at an open window, commanding, through a long vista of the river banks, a view of a distant hill, the face of which nearest my position had been denuded by what is termed a land-slide, of the principal portion of its trees. My thoughts had been long wandering from the volume before me to the gloom and desolation of the neighboring city. Uplifting my eyes from the page, they fell upon the naked face of the bill, and upon an object-upon some living monster of hideous conformation, which very rapidly made its way from the summit to the bottom, disappearing finally in the dense forest below. As this creature first came in sight, I doubted my own sanity-or at least the evidence of my own eyes; and many minutes passed before I succeeded in convincing myself that I was neither mad nor in a dream. Yet when I described the monster (which I distinctly saw, and calmly surveyed through the whole period of its progress), my readers, I fear, will feel more difficulty in being convinced of these points than even I did myself.
                    Estimating the size of the creature by comparison with the diameter of the large trees near which it passed-the few giants of the forest which had escaped the fury of the land-slide-I concluded it to be far larger than any ship of the line in existence. I say ship of the line, because the shape of the monster suggested the idea- the hull of one of our seventy-four might convey a very tolerable conception of the general outline. The mouth of the animal was situated at the extremity of a proboscis some sixty or seventy feet in length, and about as thick as the body of an ordinary elephant. Near the root of this trunk was an immense quantity of black shaggy hair- more than could have been supplied by the coats of a score of buffaloes; and projecting from this hair downwardly and laterally, sprang two gleaming tusks not unlike those of the wild boar, but of infinitely greater dimensions. Extending forward, parallel with the proboscis, and on each side of it, was a gigantic staff, thirty or forty feet in length, formed seemingly of pure crystal and in shape a perfect prism,-it reflected in the most gorgeous manner the rays of the declining sun. The trunk was fashioned like a wedge with the apex to the earth. From it there were outspread two pairs of wings- each wing nearly one hundred yards in length-one pair being placed above the other, and all thickly covered with metal scales; each scale apparently some ten or twelve feet in diameter. I observed that the upper and lower tiers of wings were connected by a strong chain. But the chief peculiarity of this horrible thing was the representation of a Death's Head, which covered nearly the whole surface of its breast, and which was as accurately traced in glaring white, upon the dark ground of the body, as if it had been there carefully designed by an artist. While I regarded the terrific animal, and more especially the appearance on its breast, with a feeling or horror and awe-with a sentiment of forthcoming evil, which I found it impossible to quell by any effort of the reason, I perceived the huge jaws at the extremity of the proboscis suddenly expand themselves, and from them there proceeded a sound so loud and so expressive of wo, that it struck upon my nerves like a knell and as the monster disappeared at the foot of the hill, I fell at once, fainting, to the floor.
                    Upon recovering, my first impulse, of course, was to inform my friend of what I had seen and heard-and I can scarcely explain what feeling of repugnance it was which, in the end, operated to prevent me.
                    At length, one evening, some three or four days after the occurrence, we were sitting together in the room in which I had seen the apparition-I occupying the same seat at the same window, and he lounging on a sofa near at hand. The association of the place and time impelled me to give him an account of the phenomenon. He heard me to the end-at first laughed heartily-and then lapsed into an excessively grave demeanor, as if my insanity was a thing beyond suspicion. At this instant I again had a distinct view of the monster- to which, with a shout of absolute terror, I now directed his attention. He looked eagerly-but maintained that he saw nothing- although I designated minutely the course of the creature, as it made its way down the naked face of the hill.
                    I was now immeasurably alarmed, for I considered the vision either as an omen of my death, or, worse, as the fore-runner of an attack of mania. I threw myself passionately back in my chair, and for some moments buried my face in my hands. When I uncovered my eyes, the apparition was no longer apparent.
                    My host, however, had in some degree resumed the calmness of his demeanor, and questioned me very rigorously in respect to the conformation of the visionary creature. When I had fully satisfied him on this head, he sighed deeply, as if relieved of some intolerable burden, and went on to talk, with what I thought a cruel calmness, of various points of speculative philosophy, which had heretofore formed subject of discussion between us. I remember his insisting very especially (among other things) upon the idea that the principle source of error in all human investigations lay in the liability of the understanding to under-rate or to over-value the importance of an object, through mere mis-admeasurement of its propinquity. "To estimate properly, for example," he said, "the influence to be exercised on mankind at large by the thorough diffusion of Democracy, the distance of the epoch at which such diffusion may possibly be accomplished should not fail to form an item in the estimate. Yet can you tell me one writer on the subject of government who has ever thought this particular branch of the subject worthy of discussion at all?"

                    He here paused for a moment, stepped to a book-case, and brought forth one of the ordinary synopses of Natural History. Requesting me then to exchange seats with him, that he might the better distinguish the fine print of the volume, he took my armchair at the window, and, opening the book, resumed his discourse very much in the same tone as before.
                    "But for your exceeding minuteness," he said, "in describing the monster, I might never have had it in my power to demonstrate to you what it was. In the first place, let me read to you a schoolboy account of the genus Sphinx, of the family Crepuscularia of the order Lepidoptera, of the class of Insecta-or insects. The account runs thus:

                    "'Four membranous wings covered with little colored scales of metallic appearance; mouth forming a rolled proboscis, produced by an elongation of the jaws, upon the sides of which are found the rudiments of mandibles and downy palpi; the inferior wings retained to the superior by a stiff hair; antennae in the form of an elongated club, prismatic; abdomen pointed, The Death's-headed Sphinx has occasioned much terror among the vulgar, at times, by the melancholy kind of cry which it utters, and the insignia of death which it wears upon its corslet.'"

                    He here closed the book and leaned forward in the chair, placing himself accurately in the position which I had occupied at the moment of beholding "the monster."
                    "Ah, here it is," he presently exclaimed-"it is reascending the face of the hill, and a very remarkable looking creature I admit it to be. Still, it is by no means so large or so distant as you imagined it,-for the fact is that, as it wriggles its way up this thread, which some spider has wrought along the window-sash, I find it to be about the sixteenth of an inch in its extreme length, and also about the sixteenth of an inch distant from the pupil of my eye."


                    تعليق

                    • المختار محمد الدرعي
                      مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                      • 15-04-2011
                      • 4257

                      #55
                      على قارعة الصباح / المختار محمد الدرعي
                      كعهدي القديم
                      كل صباح أشرب قهوتي
                      في فناء القصيد...
                      كل صباح
                      أسرج قلمي دابة للرحيل…
                      بالكلمات أطرق أبواب الجهات
                      و بمطرقة القصيد أكسر زجاج العالم
                      فأسمع رَجْعُ صَدى
                      أناتِ الفصول و نحيب العناوين ...
                      كعهدي القديم ألوذ بي
                      كل يوم جديد
                      أطل على ربوة رأسي محدقا :
                      صخب كل الجهات
                      ضباب ..ضباب
                      كل هذا العالم ....
                      .............
                      كعهدي القديم
                      أنزل من بطن البارحة
                      عند كل فجر جديد
                      أحثو على بساط ورقي..
                      يتصبب قلمي حبرا
                      و أتصبب تأملا
                      أسافر بعيدا دوني..دون وجهة...
                      كم مرة
                      عبرت بوابات المعارك القديمة
                      فضاعت راحلتي و سرقوا غنائمي
                      كم مرة
                      يقتلني القراصنة في طريق الذهاب إلى الأمنيات
                      أو في طريق العودة إلى مدائن الطموح
                      كم مرة
                      يطعنني الأنكسار غدرا
                      و يمضي...
                      كعهدي القديم
                      هكذا
                      أسافر حائرا
                      إلى صخب الأرصفة و منابع الضجيج
                      باكرا مع الرعاة و الكادحين
                      [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                      الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                      تعليق

                      • منيره الفهري
                        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                        • 21-12-2010
                        • 9870

                        #56
                        ●▬▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ ஜ▬▬▬▬▬▬▬▬●
                        Paul Valéry 1871-1945
                        Le Cimetière marin 1920


                        Ce toit tranquille, où marchent des colombes,
                        Entre les pins palpite, entre les tombes ;
                        Midi le juste y compose de feux
                        La mer, la mer, toujours recommencée
                        O récompense après une pensée
                        Qu’un long regard sur le calme des dieux !

                        Quel pur travail de fins éclairs consume
                        Maint diamant d’imperceptible écume,
                        Et quelle paix semble se concevoir !
                        Quand sur l’abîme un soleil se repose,
                        Ouvrages purs d’une éternelle cause,
                        Le Temps scintille et le Songe est savoir.

                        Stable trésor, temple simple à Minerve
                        Masse de calme, et visible réserve
                        Eau sourcilleuse, Œil qui gardes en toi
                        Tant de sommeil sous un voile de flamme
                        O, mon silence !… Edifice dans l’âme
                        Mais comble d’or aux mille tuiles, Toit

                        ●▬▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ ஜ▬▬▬▬▬▬▬▬●
                        المقبرة البحرية.
                        بول فاليري.
                        محاولة ترجمة وشرح : سليمان ميهوبي
                        ●▬▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ ஜ▬▬▬▬▬▬▬▬●
                        هَذَا السَّطْحُ الْهَادِئ(1)، حَيْثُ تَمْشِي حَمَائِم،
                        بَيْنَ الصَّنَوْبَرِ يَخْتَلِج، بَيْنَ الْقُبُور؛
                        الظُّهْرُ الْمُنْصِفُ(2) يُشَكِّلُ هُنَاكَ مِنَ النِّيرَانِ
                        الْبَحْر، الْبَحْر، أَبَدًا مُكَرِّرا(3)!
                        يَا جَائِزَةً بَعْدَ تَفْكِيرِ
                        كَمْ نَظْرَةٍ طَوِيلَةٍ عَلَى سُكُونِ الْآلِهَة!

                        أَيُّ عَمَلٍ خَالِصٍ لِبُرُوقٍ(4) عَبْقَرِيَّةٍ تُنْجِزُ
                        كَمْ مَاسَةٍ مِنْ زَبَدٍ لَا يُدْرَك،
                        وَأَيُّ سَلَامٍ يَبْدُو يَتَمَخَّضُ
                        حِينَمَا تَرْقُدُ عَلَى الْهُوَّةِ شَمْس،
                        أَعْمَالٌ خَالِصَةٌ مِنْ سَبَبٍ أَزَلِيّ(5)،
                        الْوَقْتُ يُومِضُ(6) وَالْحُلْمُ(7) مَعْرِفَة.

                        كَنْزٌ قَارّ(8)، مَعْبَدٌ بَسِيطٌ لِمِينِرْفا(9)،
                        كُتْلَةٌ مِنْ سُكُونٍ وَذُخْرٌ ظَاهِر،
                        مَاءٌ عَات، عَيْنٌ تَحْفَظُِ فِيكَ
                        كَذَا مِنْ مَنَامٍ تَحْتَ غِشَاءٍ مِنْ شُعَل،
                        يَا صَمْتِيً...صَرْحًا فِي النَّفْس،
                        لَكِنْ سَقْفٌ ذَهَبِيٌّ بِأَلْفِ قِرْمِيدَة، يَا سَطْح!
                        ●▬▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ ஜ▬▬▬▬▬▬▬▬●
                        شروحات المترجم :
                        1.- سطح البحر، والحمائم قد تكون الزوارق الشراعية.
                        2.- بمعنى تمام الظهر؛ وسط النهار الباهر : تجسيد للشمس في رائعة النهار.
                        3.- منبعثا إلى الحياة ومتجدّدا.
                        4.- أشعة الشمس.
                        5.- هو الله عند الفلاسفة.
                        6.- بمعنى الوقت وقت إيماض النجوم أو بمعنى الزمن يمرّ مرورا خاطفا.
                        7.- التّفكّر والتأمّل بداية المعرفة.
                        8.- مصدر ثمين للإلهام دائم أو تحفة طبيعيّة رائعة دائمة.
                        9.- أي مخصّص لمينرفا : لإلهة الحكمة والتّبصّر عند الرّومان.

                        ●▬▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ ஜ▬▬▬▬▬▬▬▬●

                        تعليق

                        • المختار محمد الدرعي
                          مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                          • 15-04-2011
                          • 4257

                          #57

                          من إبداعات الفنان القبائلي أدير : يا أبي أينوفا مترجم للعربية
                          [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                          الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                          تعليق

                          • المختار محمد الدرعي
                            مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                            • 15-04-2011
                            • 4257

                            #58
                            دموع الآخرين للمبدعة نجاح عيسى
                            قراءة و تقديم أستاذنا الجليل عبد الرؤوف النويهي
                            دموعُ الآخرين



                            بعد َ ليلةٍ مشوّشة الصور ، متأرجحة بين يأسٍ ورجاء ..،خيّم الصمت على المشفى ..تزامُناً مع بابٍ أطبق على قلبٍ ما خذلني يوماً ساعة حاجتي إليه في ليلٍ أو نهار ،مع فريقٍ من الآطباء باحثين عن مخرجٍ لآلامٍ حاول المُضيّ معها على وتر المعاناة إلى أقصى طاقاتِ إحتماله .
                            الجو خانق..والأصواتُ فوضى خافتة الخطوات ..،عيون باهتةٌ ...نظراتٌ مُتعبةٌ ، إبتساماتٌ باردةٌ ما تكاد تعلو الوجوه حتى تسقطُ في غموض طقسٍ إختلطت فيه العفويّة بالتخطيط المُرَكَّز .
                            بياضٌ يكتسحُ كل ما تقع عليه العين في المكان ، والأسِرّةُ كأنها أكُفّ مرفوعة تنتظر الرحمة من السماء ...والأجساد الهزيلة فوقها ، ثمارٌ عصرتها يدُ الزمن فلم تترك فيها إلاّ القشور .
                            عمال النظافة يروحون ويجيئون في نشاطٍ دؤوب معظمهم من القرى المجاورة للقدس ، كأنهم جاءوا لينسوا الفأس والمحراث ..ومصارعة العصافير على الثمار ، ليكابدوا أخطار طريقٍ تكمنُ في منعطفاتهِ عيون العذاب ..!
                            خارج الغرفة يقف حراس الأمن قرب مدخل المشفى يتصفحون الوجوه العابرة ...ويتفحّصون بعضها إذا لزِم الآمر ..في محاولة لتضييق مساحة الخطر الكامن بين تلك الوجوه المختلفة الجنسيات ..!
                            شعور بالحزن واحتباس الدمع في عيني ..دفعني للتجول في ردهات المشفى ..
                            وأمام شباكٍ عريض إقتحمتهُ الشمسُ ناشرة أشعتها في وسع المكان ، وقفتُ أرقبُ منطقة سكنية راقيةً على سفوحٍ ربوةٍ كانت لنا ذات زمان ..!!
                            الشوارعُ ناعمة ..الأشجار مهرجانُ إزهارٍ وألوان ...،وبين الآغصان طيورٌ تردد ترنيمتها الصباحية .
                            البيوت حجارتها نظيفة بيضاء ، في نوافذها ورودٌ ..وفي حدائقها يلعبُ أطفالٌ تملؤهم الحياة ويحيط بهم الأمن والأمان من كل الأنحاء ..، هدوء وراحة بالٍ واطمئنانٌ يلف المكان .
                            وفجأة ...كأن يدٌ شدّتني من عنقي فاعتدَلتُ ، ورأيتُ صورة عريضة امامي تغطي المكان ...غرف اسمنتية متلاصقة، أزقة موحلة ..، وجوهٌ شاحبةٌ ملَّها الإنتظار ،
                            عربات خضار بائسة ..هي الأرض والمحصولُ والفيضان .متسولون على ارصفة المنافي يسألون الزمان :
                            متى بالإمكان .........................؟؟؟
                            هناك حيث إمتداد الجذور عذاب ..، وذلك الطفل الذي وُلِد كبيراً يقبع في عتمة الزقاق ..،حيث الحياةُ رزمة من السياط ..تمزّقُ ..تحرق ..تستبيحُ دون مسائلةٍ أو إحتجاج ..!
                            تُعذبني قتامة الصورة ....تمحو جمالية الصورة التي كانت قبل لحظات .
                            أحد ضباط الأمن يلفت نظري إلى الإبتعاد عن النافذة ، كان الكُره منقوشاً على وجههِ بالثُّلُث وهو يحدثني ..حدّثْتُهُ بلغتهِ العبرية ..فرَد عليّ بالعربية أن ألزم حجرة والدتي ، أو انضم إلى افراد اسرتي في الحديقة .
                            تحسستُ من لَغط العاملين أن حالةً حرجة في الطريق ..، ما لبث أن دخل بها طاقم الإسعاف إلى قسم الطواريء .
                            سيدة على ما تبدو في الخمسينات ، أصيبت بنوبة قلبيّة بعد تلقيها نبأ مقتل إبنها الضابط في اشتباكٍ مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في مكان ما على الساحل .
                            العائلة كلها تحيط بالأم على سريرها ..فاقدة الوعي شاحبة اللون ، يتصبب العرق من كل كيانها كأنه دموع القلب والأعضاء ، الأبُ ذاهلُ يحدّق في صورة إبنه الشاب لحظات ..ثم يضمها الى صدرة مجهشاً في بكاءٍ مُمِضٍّ أليم ، دموع ..واهات ..صراخٌ وعويلُ يملأ المكان ،وقد تناثر الآقارب على المقاعدوقرب الجدران . مشهدٌ مأساويّ يدمي القلوب لعائلةٍ ثكلتْ ابنها الشاب ،اللحظات حاسمةٌ ، مُدبَّبةٌ ..مشحونةٌ بالإحتمالات ...
                            ألمشهد الذي يهزّ أقسى القلوب ...، يهزني لِحظات ..غصّة تتجمع في حلقي ، تكاد تمزق حنجرتي ...
                            فأنا إنسان رغم كل التناقضات ..،فاجعةٌ بكل المقاييس تقف منّي على بُعْد خطوات .. ولكني لا أشعر أني جزء من ذلك المشهد ..ولو على سبيل المواساة ..أو السؤال ..!..هوَّة بلا قرارٍ تفصلُ بيننا ، هوّةٌ يقبعُ في اعماقها أنهارٌ من الدماء ..مئات أعرفهم من الشهداء والجرحىوالثكالى والأرامل والأيتام ...
                            فجأة يُطلّ وجه ابراهيم ..ذلك العريس الذي اغتالت القوات الخاصة فرحته قبل زفافه بيومين ،
                            من الناحية الاخرى يُطل وجا وفاء ، ابنة العشرين ربيعا ..والرصاص يسقط العلم من يدها ..فترتقي شهيدة نحو السماء .
                            ألتفتُ يُطل وجه أمين ...وجه مها ..وجه ملاكٍ يحملُ في غلالة نورٍ جنيناُ مزق الرصاص رحم امه .
                            يُطلّ بيتُ تجتاحهُ الجرافات .
                            تُطِلّ تعريشةُ يا سمين من بين الركام ، تُطلُّ أحلامٌ ذابت تحت التراب . يُطِلّ شبابٌ ذوى بين الزنازين ..
                            خلف القضبان ، وجهُ أخي وتوأم روحي يُطلّ من خلف عشرةِ أعوام ...!!
                            تُحاصرني الأطياف من كل الجهات ..مُعفّرة بتراب الغربة ..مُضرّجةً بالدماء ،يختفي المشهد الآخر من المكان ولا يتبقى إلا أنا وتلك الأطياف ..، تنفجر عيوني شلالاتُ دموعٍ ودماء ...
                            أركض ...أغادر المكان المزدحم بالمأساة ...أصطدم بطاقم التمريض يسحب سرير أمي خارج غرفة العمليات ،أتسمّرُ في مكاني مذهولة ..عيوني الدامعة تستنطق الجَرّاح ..
                            يربتُ الجراح الإيرلنديّ على كتفي هامساُ : لا تقلقي ...كل شيءٍ على ما يُرام .


                            10/5/2012م
                            نجاح عيسى ..
                            رام الله
                            فلسطين .
                            ___________________________________________


                            نجاح عيسى ..إنسانٌ رغم كل التناقضات.
                            ____

                            بهرتنى هذه القصة حد الإبهار وأغرقتنى فى بحرها اللجى العميق وتتصارع فىّ شتى الإنفعالات .
                            تلاحقت أنفاسى وعلا لهاثى وشملتنى رعدة قاصمة لتوازنى المعتاد المألوف .
                            هذه اللغة القوية الموحية والصور المتتابعة التى تنهمر على القلب إنهماراً عنيفاً.
                            هذه الرقة والعذوبة اللامتناهية فى إنسانية طاهرة بريئة لم تدنسها حوادث السنين ولا وقائع العدوان.

                            نجاح عيسى.. ابنة فلسطين الحبيبة ..ابنة النور والجمال ..ابنة الإنسانية فى معناها الكبير .
                            نجاح عيسى ..تكتب عن المسكوت عنه ..تكتب بوحها الشفيف .

                            هل أقول أن هذه القصة القصيرة /الطويلة قد ملكت عقلى وروحى أياماً عديدة؟
                            لم أستطع الفكاك من سحرها ووقعت أسيراً فى حبها .
                            عشتُ متعلقاً بها صباح مساء .أدنو منها وأبتعد عنها ولا أفارقها .
                            هتفت بى نفسى :من يستطيع أن يكتب مثل هذه الفتنة الصاعقة ؟

                            خطرت على بالى القصيرة القصيرة "صمت البحر لفيركور " هذه القصة الخالدة التى ترجمت إلى العربية عدة مرات .
                            لم أشبع من قرائتها ودائماً أبحث عنها فى مكتبتى وأعيش أحداثها مع الضابط الألمانى والفتاة الفرنسية أثناء احتلال ألمانيا لفرنسا فى الحرب العالمية الثانية .

                            دموع الآخرين.. قصة من قصص الحرب ..أدب الحرب ..قد نتفق أو نختلف مع الراوية ،لكنها تضعنا أمام ضمائرنا وإنسانيتنا فى معادلة صعبة كل الصعوبة .

                            بصراحة ..هذه القصة البديعة الخلابة قد سحرتنى وسيطرت علىّ وأرقتنى ليالٍ عديدة ٍ.
                            أقول لنفسى:هذا هو الإبداع الحقيقى الخالد على مر العصور .

                            سأكتب، لاحقاً،عنها ،عن لغتها ،عن صدقها ،عن تناقضاتها ،عن فتنتها الطاغية .






                            [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                            الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                            تعليق

                            • المختار محمد الدرعي
                              مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                              • 15-04-2011
                              • 4257

                              #59
                              قصة الممسوس للمبدعة عايدة بدر
                              و قراءة للأستاذ فهد الهويمل
                              أي ريح صرصر عصفت اليوم
                              الشمس مبتورة الخيوط, وشبح القادم ينسل خفية, يغطي وجهه غروب أصهب.
                              لم أكد أعرفه, لولا وشم أنزله على كفه, في ليلة دهماء غاب عنها القمر, أريق فيها الكثير من دمه, وحبر صبه فوق الجرح, يدمغ يده فيه, ويئن مبتلعا وجعه.
                              لم تك ملامحه تشبه ذاك الشاب الجسور, الذي ملأ حيطان الشارع برسومه, وأنا صبي ألاحقه مثل ظله, مفتونا بما تخط أنامله العجائبية على الجدران, لتلك الصبية التي عشقها, فصارت داءه الذي ضرب أوتار فؤاده, فأعطبها, ليوصم بالممسوس, ويهجر البلدة, بعد أن عصفت بجسمه ركلات الرجال وهراواتهم, وهرس أحدهم بحنق يده اليمنى, بقدمه.
                              شقوق باب حجرته, تتيح لي فسحة ضيقة كي أرقبه وهو يناجيها دامعا, تنفلت منه الآهة حرى, وهو يبثها لوعته, وحرقة قلبه في غيابها! وفرشاته, كفراشة تنتقل بين الألوان ودمعه بسرعة عجيبة, ترسم عينين كحيلتين, وفما مكتنزا, يكاد ينطق, لتصيبني لوثته بفضول غريب لم أفهمه حد اللحظة.!
                              وتطاردني تينك العينان كأني أعرفهما.!
                              رنا إلي كأنه مغيب, حين اقتربت منه أحييه, وعيناه المحمرتان كالجمر, أرعدتني وأنا أستشعر خيفة منهما, ثم أشاح بوجهه عني متمتما, بلهجة معاتبة:
                              - أهذا أنت!؟ أ بعد كل تلك ...!
                              لم تُعنّي بسمتي البلهاء الحذرة, وخانني صوتي يتعثر بحنجرتي, فأطرقت رأسي خجلا.
                              دس يده الموشومة بين كومة أوراقه, ورمى بإحداها أمامي, لأجدني أمام صورة الفتاة ذي العينين الكحيلتين, والفم المكتنز!
                              زاحمتني الملامح, تصارعت أمامي, وتكومت كل الصور في لحظة بهذا الوجه, والريح تتلاعب بالورقة وأنا أركض خلفها لاهثا, يدفعني شغفي القديم, أن أعرف صاحبة الصورة.!
                              ذات صباح شقشقي العصافير, كان يقف قرب شجرة التفاح المزهرة, يحادثها, يبثها عشقه الموسوم بالمس, يغرف من جمرات الشوق, ويعاتبها أنها تتأخر كل مرة عليه, فيغلي دمه ليتفجر ينابيع من أوردته, ويكشف لها عن رسغه الذي ينزف بدفق وشدة, لتمتد يدها البيضاء الناصعة نحوه, تجمع الدماء المنتفضة في كفها, تذروها إلى السماء, وتمسح كفه بكمها, وتقبل الجرح, فهربت مذعورا, أصرخ:
                              - الممسوس قطع رسغه, الممسوس شربها من دمه.
                              تلقفتني أمي من أول الشارع, وأقسمت أغلظ الإيمان أن الممسوس لن يبقى بيننا بعد اليوم, فقد بات خطرا على الأبناء.
                              توسلت إليها ألا تفعل, لأنه مسكين, لم يؤذ أحدا غير رسغه, لكن إصرار أمي كان أقوى, وحيرة عينيها وهي تبحث في أرجاء المنزل تفتح بابا, وتغلق آخر, لتعود وتلطمني صفعة على وجهي, أخرستني.
                              رسمها ذاك اليوم على جدران المدرسة, فمًا وعينين, وشجرة تفاح مزهرة, تغفو مبتسمة قرب الساقية, وقمرا ثلجيا, يتراقص دوائر مهتزة, قربها.
                              نسجت الحكايات عنه, وعن مس الشيطان الذي تلبسه, فأغلقت أبواب الدور على بناتها, والممسوس يرسمها بغلالة شفافة, تظهر جسدها الضبابي متوهجا بالنور المتسرب من مسامات القماش, وألبسها النجوم تيجاناً فضية, كأنها شعاع يبهر العيون, وعلق اللوحة على غصن شجرة التفاح الموردة!
                              تبعت أبي ليلتها والرجال معه, محملين بوقود الغضب الجحيمي, تقدح العيون شررا يتطاير , ومشاعل النار تضيء وجهه القانع وهم يواجهونه, أنه لطخ سمعة الفتيات!
                              تمتم بيتم, راكعا:
                              - ليس بيدي, عشقي لها يدفعني, زوجوني إياها.
                              انهالت الأيدي, تصب جام الجحيم عليه, تمزق الجسد والرسوم, وهو يحتضن إحداها فوق صدره, يحميها منهم, غير عابئ بسواها, حتى أغمي عليه فغادروه, وورقة مكتوبة بدمه ألصقوها على الجدار مواجهته, غادر وإلا...!
                              لم أتزحزح من مخبئي, أتابعه بشغف محموم, وهو يزحف واللوحة بيده, يصب فوق كفه المهروس حبرا, يدمغها.
                              بعدها, لم يره أحد, حتى اليوم..
                              ولم تعرف البلدة سره وصاحبة العينين والفم, وأجنحة الريح مازالت تدفع بالرسمة أمامي, تطير وتحط, وقلبي يكاد ينخلع خوفا من رذاذ المطر المنهمر, أن يمحو الأثر.
                              دفعت جسمي بأقصى ما أستطيع كي ألتقطها, وأكتشف الوجه الذي طال زمن سره.
                              غيرت الريح وجهتها تدفع بالصورة نحوي, لتطعنني ألف سكين عمياء, وصورة أختي التي أغمضت عينيها منذ سنين, تتشبث يدها البيضاء المتخشبة, فرشاة بلون الزهر, تحت شجرة التفاح..
                              قبل أن تثمر!

                              قراءة رائعة للأستاذ فهد الهويمل
                              قصة المبدعة عائدة محمد نادر "الممسوس" قصة استقطبت اهتمام القراء استمتعوا بها وجادوا عليها بالثناء والتعليق الإيجابي، ولا شك أنها تستحق كل هذا الاهتمام، بل إن فيها من الثراء ما قد تقتضي معالجته الكثير من الوقت والجهد. فمن الناحية الفنية، مثلا، قد تنجز دراسة حول صورة الريح الصرصر (جملة الافتتاح) وكيف عصفت بتفاصيل القصة لتتحول إلى خيط ناظم يتجسد شيئا فشيئا حتى تتحول الريح العاصفة سببا في كشف هوية الصورة وأساس القصة. والزمن أيضا قد يكون موضوعا مهما يستدعي العناية في تبادليته المستمرة بين الحاضر والماضي. كما أن الراوي نفسه مجال خصب جدير بالاهتمام. ولعلنا لا ننسى بلاغة السرد وأهميته، وتناغم الصور في نسيج النص. كل هذه وغيرها من الموضوعات جديرة بالرصد والمناقشة. والحق أن بعض التعليقات قد أشارات إلى أجزاء كثيرة من هذه الأمور، وكانت موفقة إلى حد بعيد.

                              قراءتي سوف تنصب على نص الفتاة الذي أراه "أثرا" يفضي إلى اختفائها تحت كثافة نص الممسوس، ولا غرو أن يخفيه: فالمس في معناه المألوف حقيق بأن يحرف مسار الأمور، لكنه في عمومية معناه اللغوي يعني الملامسة على اختلاف معاني الملامسة. ومن نقطة التّماس هذه نستطيع أن نتتبع أثر الفتاة ونقرأ النص المخفي تحت النص الظاهر. (لا أدعي أن هذه القراءة ستكون جامعة مانعة بل أقر أن القصور لابد أن يعتريها. ومهما كانت مجالات القصور فحسبها المحاولة، ولعلها تفتح مساربا وتترك آثارا يتبعها غيري فيغذيها ليسد بعض ما يعتريها من نقص).

                              في النص وفي التعليقات طغت شخصية الممسوس على كل ما سواها، لدرجة أن سبب مسه وما تعرض له من أذى بقي مستبعدا من دائرة الرؤيا، يبرز أحيانا فقط في علاقات تتعلق بالممسوس نفسه أو بما يستثيرة من اهتمام (للراوي) أو غضب أهل الحي، أو أبواب تغلق على أهلها، أو رجال قرروا سفك دم. هذا التوجه في السرد هو نوع من إظفاء ستار على "الفتاة" سبب المس وما تعرض له الممسوس من أذى، كما أن هذا الستار تحول إلى هوس لدى الراوي في محاولة كشف الغطاء، فاهتم بهوية الفتاة المختفية أبدا أيما اهتمام.

                              التقنية الأخرى لطمس الفتاة كانت موهبة الممسوس نفسه، فهو فنان يجيد الرسم الذي في معناه تناقض حاد: فبقدر ما يصور ويبرز، بقدر ما يخفي ويستبعد. شأنه في هذه السمة المزدوجة شأن الأثر الذي بدوره قدر ما يؤكد وجود بقدر ما يؤكد اختفاء صاحب الأثر وابتعاده. هذه الموهبة الفنية كانت وسيلة جاهزة ليست فقط لجلب الأذى للممسوس بل لاستبعاد حبيبته من دائرة الرؤيا. فهي رغم جمالها وحيوية صورتها، إلا أنها في النهاية تبقى صورة يرسمها على جدار أو يعلقها على غصن شجرة "تفاح موردة"! (رمز التفاحة أوضح من أن يقتضي التعليق). فالفتاة تظل باستمرار مختفية خلف ستار شفاف أو في ظل شجرة. وإذا أضفنا هيمنة الممسوس على النص إلى اختفاء الفتاة في صورة، نجد أن الستار يتضاعف أو يتكثف أكثر فأكثر.

                              التقنية الثالثة لإخفاء الفتاة هي آلية السرد. فتشويش اختفاء الفتاة لا يقتصر على الريح الصرصر وعصفها بصورتها وأحداث القصة، بل أيضا يتم من خلال ذاكرة الراوي. فالراوي يتذكر حين كان طفلا تلك الصورة التي بقيت في ذهنه بلا هويةرغم أنه أحيانا يشعر بأنه يعرفها ("وتطاردني تينك العينان كأني أعرفهما")، وتستثير اهتمامه. والاستبعاد هذا غاية في الغرابة، فالراوي هو شقيقها، لكنه لم يستطع تحديد هويتها (إلا بعد أن كبر فيما بعد: أي اليوم فقط بمعونة ريح صرصر [أو روح عصفت بها دورة الحياة]). ولنا أن نضيف هذا الستار إلى ما سبق ليصبح الغطاء أكثر كثافة.

                              على مستوى اللغة بقيت الفتاة ضميرا متصلا أو منفصلا، كما بقيت مجرد اسم عام (الفتاة، الصبية، أخت) أو مختصرة في أوصافها الجسدية (العينين الكحيلتين والفم المكتنز) أو صاحبة الصورة. فليس لها اسم علم، بل حين تظهر في أجلى صورها، فإنها تتلاشى:

                              ((والممسوس يرسمها بغلالة شفافة، تظهر جسدها الضبابي متوهجا بالنورالمتسرب من مسامات القماش, وألبسها النجوم تيجان فضية، كأنها شعاع يبهر العيون، وعلق اللوحة على غصن شجرة التفاح الموردة))

                              هنا نجد أنها جسد ضبابي تحيط به هالة من شعاع يبهر العيون بحيث لا يمكن معرفة تفاصيلها. فإذا كانت مثل هذه الحالة هي حالة تلاشي أو طمس تفاصيل جسدية، فعلينا أيضا أن نتذكر هنا تحديدا أن تحولها إلى هذا الشعاع المبهر جاء مباشرة بعد أن تحول الممسوس وقصته إلى أساطير، التي بقدر ما تكشف، تغطي وتخفي خلف أبواب مغلقة:"نسجت الحكايات عنه، وعن مس الشيطان الذي تلبسه، فأغلقت أبواب الدور"! وهكذا نجد اختفاء الفتاة بين عمق الأساطير ومصادر الضوء التي تذهب الأبصار، اختفاء أو تلاشٍ تام!

                              ونستطيع أيضا أن يضيف آلية استبعاد أخرى. فمن آليات الاخفاء والاستبعاد "جهل" الراوي بما تعرفه البلدة التي سابقا أغلقت أبوابها على بناتها. فالراوي حتى اليوم يزعم أن البلدة لم تعرف

                              ((سره وصاحبة العينين والفم، وأجنحة الريح ما زالت تدفع بالرسمة أمامي، تطير وتحط، وقلبي يكاد ينخلع خوفا من رذاذ المطر المنهمر، أن يمحو الأثر.))

                              "يمحو الأثر": ترى أي أثر يخشى الراوي أن يمحوه المطرُ؟ القصة لا شك أثر؛ والصورة بالتأكيد أثر؛ وذاكرة الراوي أيضا أثر؛ والأساطير التي نُسجت أثر؛ وسر الممسوس وصاحبة العينين والفم أثر؛ وجراح الممسوس الجسدية والمعنوية أثر حُفر على أثر؛ وصفعت الأم للراوي أثر. وهناك الكثير من الآثار التي تتقصاها القصة وقد تتبعها الراوي والممسوس. فأي منها يخشى الراوي أن يمحوه المطرُ؟

                              إذا دققنا في القصة نجد أن الراوي مشغول بهاجس "أثر" وحيد تصب فيه كل الآثار الفرعية، لتجعل منه "أثر الأثر": إنه الأثر الذي يفضي إلى كشف سر الهوية! ذلك السر الذي لابد أن يترك أثرا يدل عليه، الخفاء الذي لا بد أن يتجلىّ عند نهاية المسار، نهاية الأثر! وليس كمثل "الموت" سر أو أثر، وليس كمثل الحياة مسيرة أو مسار إلى "الموت"!

                              كنت قد تتبعت أثر الاستبعاد وتقنياته وعلامات طريقه، فهل مثل الموت استبعاد؟ كان لا بد للأثر (إذا صُنّاه من المحو) أن يفضي إلى قبر— طال الزمان أو قصر، خاصة إذا تعلق الأمر بأمر الحب في بيئة شرقية. ولا بد أيضا من جسد يدفع بكل طاقته إلى اكتشاف هذه الحقيقة (بعد فوات الآوان). فلنتأمل ما حدث بعد خوف الراوي أن يمحو المطرُ "الأثرَ"، الأثر بألف ولام:

                              ((دفعت جسمي بأقصى ما أستطيع كي ألتقطها، وأكتشف الوجه الذي طال زمن سره.
                              غيرت الريح وجهتها تدفع بالصورة نحوي، لتطعنني ألف سكين عمياء، وصورة أختي التي أغمضت عينيها منذ سنين, تتشبث يدها البيضاء المتخشبة، فرشاة بلون الزهر, تحت شجرة التفاح..
                              قبل أن تثمر!))

                              عبارة "قبل أن تثمر" بحروفها الكبيرة ليست من تحريري بل أصل في القصة كخاتمة! كان لا بد أن تغمض الأخت عينيها لأنها الأثر الباقي وكان لا بد أيضا ألاّ تثمر شجرة الفتاح! فبعد تضاعف كثافة الستائر التي تخفى صاحبة الصورة، كان لا بد أن تصل أبعد مداها كثافة في الموت، "ومنذ سنين"! هنا فقط يمكن للمرء أن يكشف "الوجه الذي طال زمن سره"، إذ على مدى القصة لم نر غير عينين كحيلتين وفم مكتنز. في الموت وحده تكتمل تفاصيل الوجه (فمن يا ترى يستطيع قياس المفارقة!)

                              ويبقى أيضا سؤال السنين: ترى كم هي هذه السنين (أليست السنين أثر الزمان التي على الحياة أن تطويها نحو النهاية أو على الحب أن يضحي بها قبل أن يثمر)؟ هل هي مصادفة أن تكون هذه السنين هي نهاية قصة الممسوس؟ في الأدب لا مجال للصدفة (وربما الحال نفسه في الحياة)! فكم مضى من السنين منذ أن أغمضت صاحبة الصورة عينيها؟ اختفاء الحبيبة يكاد يكون القانون الأكيد، فهذه لبنى وليلى وبثينة آثار ماثلة في الوعي الفردي والجمعي، وصاحبة الصورة هنا ليست استثناءا بل هي امتداد الأثر (الذي أصبح طريقا معبدا)، الذي لا يظهر إلا بعد اختفاء صاحبه، والذي يكشف بقدر ما يخفي. وحسبنا أن نرى الممسوس أثرا لصاحبة صورة ابتدعها ليؤكد غيابها!

                              بل إن القصة تبدأ بعد وفاتها، وتبدأ مع رسمها، ورغم أنها مجرد صورة إلا أنها لا تظهر إلاّ من خلال مسامات قماش (كأنه الكفن) أو شقوق باب (لعله تابوت):

                              ((شقوق باب حجرته، تتيح لي فسحة ضيقة كي أرقبه وهو يناجيـها دامعا، تنفلت منه الآهة حرى، وهو يبثـها لوعته، وحرقة قلبه على غيابها! وفرشاته، كفراشة تنتقل بين الألوان ودمعه بسرعة عجيبة، ترسم عينين كحيلتين، وفما مكتنزا، يكاد ينطق، لتصيبني لوثته بفضول غريب لم أفهمه حد اللحظة..!!))

                              نعم! أي لوثة أصابت الراوي اليوم وأمس وبعد حين؟ إنها ببساطة هول الريح العاتية القادمة من أعماق التاريخ (أي ريح صرصر عصفت اليوم)؛ مرورا بصفعة أمه التي أخرسته أيضا، أمه التي عانت اللوثة نفسها لدرجة أنها لم تجد غير الصفع مخرجا:

                              ((لكن إصرار أمي كان أقوى، وحيرة عينيها وهي تبحث في أرجاء المنزل تفتح بابا، وتغلق آخر، لتعود وتلطمني صفعة على وجهي، أخرستني.))

                              في قضايا "الحب" يجب أن يسود الصمت مرحليا وأبديا حتى لو تعالى الضجيج، هكذا كانت حالة ذات العينين الكحيلتين والفم المكتنز، وهكذا كان حال الممسوس حين زاره رجال الحي الذين كتبوا بدمه "غادر وإلاّ..."!!

                              لابد أن يغادر الممسوس لتكتب قصة قتل جديدة! وكان عليه أن يعود ليقف "على الأطلال" (كما وقف الشعراء جميعا)!!





                              [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                              الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                              تعليق

                              • المختار محمد الدرعي
                                مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                                • 15-04-2011
                                • 4257

                                #60
                                نصوص ساخرة
                                إمبراطرية النصب / الدكتور أشرف محمد كمال
                                http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...DC%DC%C8/page2
                                [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                                الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                                تعليق

                                يعمل...
                                X